[right][في الدول الديمقراطية التي يسود فيها حكم القانون بدون تمييز أو محاباة أو تعتيم علي جرائم الفساد والإفساد فإنه يمثل أمام القضاء والمحاسبة الوزير والخفير والقوي والضعيف والرئيس والمواطن العادي , ولقد قرأنا قبل أيام أن حكماً بالسجن 13 سنة قد صدر بحق وليم جيفرسون العضو السابق في مجلس النواب الأمريكي الديمقراطي وبغرامة قدرها 470 ألف دولار وذلك لإنه إستفاد من منصبه للمطالبة برشاوي , ونجد في نفس أعظم دولة علي وجه الأرض إنه لم ينج رئيسها السابق بيل كلينتون من المحاسبة العسيرة أمام الكونجرس بسبب علاقته المشينة مع إحدي الموظفات بالبيت الأبيض وقد رأيناه يبكي وهو يعترف , كما سبقه للمساءلة واضطر للإستقالة الرئيس الأسبق نكسون فيما عُرف بقضية فضيحة ووتر جيت , وأما في اليابان فقد أُرغمت حكومات للإستقالة بسبب إتهامها بالفساد , وحتي في إسرائيل فقد حوكم رئيسها بالسجن بسبب تحرشه جنسياً بإحدي الفتيات , وكذلك يخضع حالياً رئيس وزرائها السابق أولمرت للتحقيق بواسطة الشرطة بتهم الفساد , وكذلك وزير خارجيتها الحالي ليبرمان يحاسب بذات التهم .
وأما نحن في السودان المنكوب بحكامه الذين تسلطوا علي رقابنا منذ إنقلابهم المشؤوم علي السلطة الشرعية في عام 1989م فقد إنغمسوا في الفساد والإفساد منذ سنينهم الأولي , ولا نلقي القول علي عواهنه , فقد ذكر قائدهم وزعيمهم الترابي حينذاك تهويناً من شأن الفساد أن نسبته بلغت 9 % , وأمثلة من أوجه الفساد التي تناولتها بعض الصحف كانت في المحاليل الوريدية والأدوية الفاسدة وبيع شركات ومؤسسات القطاع العام لأنصارهم ومحاسيبهم بأبخس الأثمان وذلك بعد إحتكارهم لكل مقدرات الدولة الإقتصادية وجميع الوظائف بما أسموه ( التمكين ) في ظاهرة لم يشهدها السودان من قبل ولن يشهدها من بعد , وأصبحت الإختلاسات وإستباحة المال العام بمليارات الجنيهات والتي رصدها المراجع العام , وبسطها للبرلمان ( المجلس الوطني ) وإنهيار الأبنية قبل إتمام بنائها (بناية مستشفي الرباط الوطني) , وأكبر آخر خطاياهم هي الشروع في بيع مشروع الجزيرة بعد تدميره وليس بمستبعد أن بيعه قد تم سراً , وكل هذا ما جعل السودان تحت نير هذا الحكم الفاسد المستبد يحتل بجدارة ذيلية أمم الأرض في نسبة الفساد والإفساد !! والأنكي من كل هذا أن الفاسدين والمفسدين المقيمين في مستنقع الفساد القذر يكافئونهم علي فسادهم بترفيعهم وترقيتهم ويعوضونهم بمراكز أعلي من التي كانوا يشغلونها . وللأسف الشديد والسخرية المأساوية لم يقدم ولا واحد من اللصوص ونهابي أموال الشعب للتحقيق أو القضاء بالرغم من كمية الفساد المهولة طيلة العشرين عاماً من حكمهم البائس , بل أصبح اللص يشار إليه بلقب الوجيه فلان !!
حدث في الخمسينيات من القرن الماضي أن إختلس الصراف ود البدوي بضعة آلاف من الجنيهات فكان الحدث مثار حديث الناس إستهجاناً وإستنكاراً لغرابته وشذوذه , بينما حوكم المختلس بالسجن عديد السنوات .
إن الحزن والأسي ليملأ جوانح المرء لأن سمعة السودان والسوداني قد مرغها هؤلاء الناس في الوحل بعد أن كان السوداني يشتهر بالأمانة والعفة وسمو الأخلاق , ويزيد الأسي والحزن بإدعاء الجبهجية بأنهم يحكمون بشريعة الإسلام السمحاء , ويتجاهلون بل يطرحون جانباً قول نبي الاسلام (صلعم) ( والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها , إنه أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإن سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) ..
ويبقي السؤال الأهم وهو : هل سيتبدل حال هؤلاء الناس ؟ وأكاد أجزم إنهم لن يتغيروا ولن يتبدلوا لأنهم في كل يوم يزدادون عتواً وصلفاُ وجوراً .
والحل الوحيد هو أن يذهب هذا النظام الي الأبد غير مأسوف عليه][/right]